فساد بالجملة
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / #لا_ميديا - 

يحصر البعض الفساد في الجانب الإداري ومخالفة النظم والقوانين، والجانب المالي والتعدي على المال العام والخاص وممارسة الابتزاز وجباية الرشوة. لكن الفساد الإداري والمالي وإن كانا أبرز صنوف الفساد تأثيرا وإضرارا بالدولة والمجتمع، إلا أنهما ليسا الوحيدين، بل هما نتاج صنوف شتى للفساد تعيث بالبلاد.
هناك مرجعيات مجتمعية للفساد المالي والإداري، كفساد النشأة والتربية، وفساد القيم والأخلاق، وفساد اللسان والقول، وفساد الطباع، وفساد القلوب، وفساد الظن، وفساد الاعتقاد، وفساد التفكير، وفساد التدبير، وفساد البصر، وفساد النظر، وفساد الذائقة أو الذوق، وفساد السلوك والتصرف.
هذه الأصناف وغيرها للفساد تتفرع عنها أشكال عدة. فساد التفكير -مثلا- ينتج قصور الفكر، التحجر والتقوقع، الانغلاق والانكفاء، التبلد، التقليد والمجاراة، الانقياد الأعمى، التعصب، سوء التقدير للأمور، السطحية، ضيق الأفق، قصر النظر، التوهم، الادعاء، الشطط، اللاعقلانية، واللامنطقية، انعدام رغبة الفهم،...الخ.
فساد اللسان، هو الآخر، ينجم عنه، مثلاً: الغيبة والنميمة، والكذب والخداع، التضليل والتغرير والزور، السباب والشتم، تجريح سمعة الآخرين، الطعن في ذمة الآخرين، القذف في شرفهم، الافتراء، النفاق، الملق، السلاطة والصفاقة، الوقاحة، السفاهة، التبرير، التوقير للفساد،...الخ.
كذلك فساد الطباع، يتفرع عنه: الحسد والحقد، الجحود والنكران، اللؤم والخبث، الغدر والخيانة، الأنانية واللامبالاة، الغرور والنرجسية، الجرأة وانعدام الحياء، الجشع والطمع، الاستغفال والاستهبال، العناد والجدال، المكابرة والمقامرة، الحماقة والهوج، والانفعال والغضب،... الخ...
فساد الذائقة أيضا، يتجلى في أشكال عدة، منها: مراقبة الناس، اقتحام خصوصيات الآخرين، التهجم دون استئذان، الصراخ، فجاجة التعامل، إهمال وانعدام النظافة الشخصية، إهمال الملبس اللائق، انعدام أدب التعامل، انعدام مراعاة مشاعر الآخرين، همجية التصرف إجمالاً.
ولا تخفى على أحد مظاهر فساد السلوك، وليس أبرزها، مثلا لا حصرا: مخالفة الناس، خرق أي نظام أو قانون، عشوائية التصرف، سوء التدبير، التكاسل والتواكل، التقاعس والتنصل، التواني والتساهل في ما لا ينبغي، التشدد والتطرف في العيش، الانجرار إلى الحرام، الاستغناء عن الحلال لزهده،...الخ.
كل ما سلف وغيره الكثير، معظمه مكتسب من ظروف التربية وبيئة النشأة ومحيطها المجتمعي بأطرافه المعروفة: الأسرة، الحي، المدرسة، دور العبادة، وسائل الإعلام، وسائط التواصل. وجميعها تسهم في تشكيل قيم الفرد ومعتقداته وانطباعاته وأفكاره وثقافته ومشاعره وتبعا شخصيته وسلوكه.
لكن بقدر ما تكون عوامل التنشئة نظريا وعمليا وفاعلية تأثيرها توجيها وتقويما، ونظمها نفاذا وامتثالا، تكون المخرجات جيدة أو سيئة. ولما كان السوء هو المقصود فإن تصحيحه ممكن بمراجعة المدخلات أو أطراف التنشئة المجتمعية وعواملها فهي مجتمعية وحكومية، ونظمهما يمكن تقييمها وتقويمها.
وفي هذا من المهم الإشارة إلى ضرورة تجرد التقييم وتحاشي قولبة البشر، بوضع نظام عام يلتقون فيه أعرافا وقيما وأفكارا وتطلعا، وصالحا ونفعا. ثم تفعيل أداتي التقويم للانحراف، ونعني إثابة الالتزام وتوقيره ومعاقبة الخرق وتعزيره، مكافأة الالتزام احتفاء وتشجيعا، ومعاقبة الخرق رفضا ونبذا وزجرا وردعا.

أترك تعليقاً

التعليقات