أحبوه فقط
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
لا تنفك أحداث عدة ومواقف مُرة، تقرع بشدة الوجدان، وتعيد بقوة إلى الأذهان، حقيقة علاقة بني الإنسان وارتباطهم بالأوطان. تؤكد يقينا دون زيادة أو نقصان، لكل من غفل بجريرة النسيان، أن لا غنى للإنسان عن الوطن أو مثيل له أو بديل عنه، مهما كانت ظروفه، يظل الوطن غاليا بكل زمان ومكان، وتغيير ظروفه مهمة مواطنيه.
نعم.. يستطيع الإنسان أن يعيش في أي مكان. وصحيح أن قول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: “خَيْرُ الْبِلاَدِ مَا حَمَلَكَ”. فهو يلخص معيار أفضل مكان للإقامة، وأنه حيث تجد حقوقك في العيش بحرية وكرامة وأمان وسلامة لكنه لا يلغي الحنين للوطن.
 فحتى مع توافر الحقوق والتزام الواجبات، يبقى الحنين للوطن.
مصدر هذا الحنين، هو الانتماء لبيئة المكان وهويته، فالوطن هو الكيان قبل أن يكون المكان، وهو المهد قبل أن يكون اللحد، وهو المجد وساحة بذل الجهد. هو الأم الحنون والسكن الممنون والمرعى الميمون والملجأ حين نوائب الدهر المسنون، وهو فضاء الآمال وغطاء تبدل الأحوال، وله يكون الانتماء فطريا والولاء طبيعيا.
هذا الولاء للوطن لا يقترن بحاكمه، ولا يكون قولاً فقط، بل يتجسد عضويا. لا يكفي أن تحمل بطاقة أو جواز سفر. ينبغي أن تحمل هم الوطن كما تحمل اسمه، وتسعى في نهضته، تجتهد لرفعته وتضحي في سبيل عزته. تخلص في الارتباط بالوطن، فكريا وحسيا وماديا، وتتفانى في دفع الأذى أو الاعتداء عنه، بوصفه يستهدفك.
قد يتوهم البعض أن بإمكانه استبدال الوطن، بشراء عقار وتشييد مشروع استثمار، في هذه الدولة أو تلك. هذا ممكن، وقد تحصل على الجنسية. لكنك ستظل مواطنا من درجة تالية، ويقترن اسمه أو وصفك بقولهم “من أصول...”. ستجد هذا ظاهرا أكثر، حين ينشب نزاع بينك وبين مواطن أصيل. ستشعر أنك مواطن دخيل!
تلاحظ هذا اليوم، بين أوساط من جعلوا من انتمائهم لهذا الوطن أو ذاك، وسيلة استثمار، واتخذوا حرفة عرض أنفسهم للإيجار، لمن يدفع من خصوم أوطانهم أو الطامعين فيها. لكن حتى هؤلاء في حسرة وهوان، رغم ما يجنونه من أموال ثمن العمل ضد أوطانهم، بزعم “المعارضة” أو “المقاومة” لسلطاته أو “تحريره”... إلخ.
توجب المروءة والنخوة، أن يفرق الإنسان بين خلافه مع نظام حكم أو سلطة، وخلافه مع الوطن. الأول وارد وله سبل سوية وشريفة، لكن الاختلاف مع الوطن، والعمل ضده وفي صفوف أعدائه، بزعم “حبه والسعي لنهضته”؛ أمر مناف للنفس السوية، لا تتقبله بفطرتها، بوصفه فعلا شائنا ومعيبا، يصم فاعله بالعار والشنار.
يبقى الثابت، أن الوطن غالٍ، لا بديل عنه أو مثيل له، مهما كانت ظروفه. وقد قيل في الشعر الشعبي اليمني الأثير: “عِز القبيلي بلاده ولو تجرع وباها”، وترجم هذا في الشعر الفصيح الشهير: “بلادي وإن جارت على عزيزة.. وأهلي وإن ضنوا علي كرام”، و”بلادي وإن هانت علي عزيزة.. ولو أنني أعرى بها وأجوع”.

أترك تعليقاً

التعليقات