اقترب الحسم
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
الحسم في اليمن اقترب، ليس فقط عسكريا في أكثر من 40 جبهة مشتعلة بالمعارك، بل عبر محصلة اتقاد يزداد استعارا في موقد الحسم. المغيبون طوال هذه الحرب العدوانية عن الواجهة، والمسلوبون زمام الحسم، رغم كونهم أصحاب القرار أولا وأخيراً، ومن يختارون من يحكمهم ويمنحونه شرعية حكمه.
أتابع باهتمام تنامي السخط بين أوساط المواطنين، في المحافظات والمناطق التي يسميها تحالف العدوان «محررة» بينما هي في حال أشقى، وفي عيشة ضنكى، وتعاني وبالا أقسى، وتوشك أن تنفجر غضبا وثورة على حال الفوضى، رفضا لسفور الفساد وفجور الاستبداد، والهوان والمهانة، والحرمان والمجاعة.
من ذلك بوادر مبهجة، تلوح في الأفق لتشكل وعي جماعي شعبي في مدينة عدن، بحقيقة ما يجري فيها من عبث وفوضى وإذلال ممنهج للمواطنين، وباشتراك جميع القوى المتصارعة، من أدوات تحالف العدوان، في الاستهانة بالمواطنين وإطلاق استباحة الوطن، لدول هذا التحالف، وأجندة أطماعها لاحظت هذا في فضاءات التعبير، ومنها بيان لما تسمى «حركة ثورة الجياع في عدن والمحافظات الجنوبية». جاء فيه ما يبشر بصحوة وطنية وشيكة، تشعل ثورة شعبية حقيقية، على جميع أدوات الارتهان التام للخارج على حساب الامتهان الدام للداخل، وانتزاع الحرية والكرامة والسيادة والمواطنة.
تقول هذه الحركة في التعريف بنفسها للمواطنين حسب بيانها: «نحن منكم، من قاع هذا المجتمع، رغم كل الشهادات الجامعية والخبرات العملية التي نحملها. نعيش مثلكم في أوضاع صعبة لا إنسانية.. بلا كهرباء وبلا ماء. بلا رواتب وبلا عمل.. بلا أمان وبلا أمل. يهددنا الموت جوعا وقهرا».
وتضيف في تشخيص حقيقة الأوضاع وملابساتها: «لا نريد أي مصالح شخصية، ولا نسعى لأي مكاسب سياسية، ولهذا لم نعلن، ولن نعلن أسماء قيادة حركتنا. لا علاقة لنا بجميع قوى الصراع وأطراف الحرب، ولا تهمنا مهاتراتهم ومكايداتهم، فقد سئمنا شعاراتهم وفقدنا الأمل بوعودهم».
تخلص إلى الحقيقة المُرة التي ينكرها القطيع، بقولها: «جميعنا جرب كل المكونات والقوى السياسية في الساحة، وجميعنا وجد أنها شريكة فيما حدث ويحدث ولا تهتم حقا لحال الشعب، لأنها إما تابعة لهذه الدولة أو تلك، أو جبانة لا تجرؤ على المواجهة، أو منقسمة ما بين هذا وذاك».
وتصارح المواطنين بما ينهي ترددهم وتسويفهم: «لقد مسنا الضرر جميعنا بلا استثناء.. فقر وعوز وحرمان.. جوع وقهر وذل وهوان.. وغلاء أسعار وافتقاد الأمان. حياتنا صارت في الحضيض، وليس هناك أمل في غد أفضل يُعين على انتظاره والعيش لأجله كيف ما كان».
تذهب إلى حسم الشكوك باليقين وتذكر جميع المواطنين: «صبرنا على انفلات الأمن ورعب العيش.. وصبرنا على تدهور الأوضاع وتردي الخدمات ومهانة العيش.. وصبرنا على انهيار سعر الريال وغلاء الأسعار.. وكافؤوا صبرنا برفع سعر الدولار الجمركي والمشتقات النفطية!».
وتواجه المواطنين بحقائق غيبها التحالف وأدواته: «إن الحال المريرة تجمعنا والحقوق المشتركة توحدنا.. الجوع الذي يعصرنا ويقرع أبواب أكثرنا.. الخوف من الآتي الذي يستبد بنا.. الذل الذي نتجرعه في الرواتب والكهرباء والماء وأسعار القوت والدواء والكساء، كلها تجمعنا وتوحد موقفنا».
بعد هذا السرد الواعي للحجة القوية، تؤكد للجميع: «لا أمل لنا في الخلاص من كل ما نعانيه صباح مساء، منذ سبع سنوات ويزيد على هذا البلاء، إلا بالإخلاص لحقوقنا في العيش بكرامة وحرية وأمان ودون هوان، وانتزاعها بلا خوف أو هوادة ودون مساومة أو مهادنة، الآن وليس غدا».
وتوجه دعوتها الحرة بثقة وعزة وأنفة يحتاجها اليمنيون: «وهذا يعني أيها الأحرار الشرفاء، المغلوبون على أمركم، الصابرون على استهانة الجميع بكم واتجارهم بمعاناتكم ودمائكم وأرواحكم، يعني أن نثور بحق.. أن نتحرك بصدق.. أن ننتزع حقوقنا الإنسانية اللازمة للعيش الكريم الذي نستحقه».
هذا الوعي الشعبي المتنامي يسير باتجاه طريق واحدة وحيدة: «ليكن هذا هو موقفنا، وليس منه بد، ولا جدوى من الانتظار والتأجيل.. صبرنا يغري كل قوى الصراع وأطراف الحرب على الاستمرار في فسادهم وارتهانهم وعمالتهم وتبعيتهم لمن يدفع أكثر، يغريهم على المزيد من المتاجرة بنا وإذلالنا».
وأجمل ما في هذا الاتجاه الشعبي المتصاعد، تأكيده على أن «تكون البداية بخروج شعبي حر، لا سياسي ولا حزبي ولا مناطقي، لنقول كلمتنا ونعلن مطالبنا المشروعة والعادلة، والإجراءات اللازمة والعاجلة لإنهاء تدهور الأوضاع وتردي الخدمات وانهيار العملة وغلاء الأسعار وتأخر الرواتب».
لكن الحقوق المطلبية، ليست كل شيء، بل مجرد شرارة: «لنخرج جميعنا ونعلن مطالب محددة، مقرونة بإجراءات معينة ومقيدة بفترة مزمنة، ما لم فهناك خطوات تصعيد ثورية أكبر، حتى نحقق هدفنا المشترك: العيش بكرامة وحرية وأمان واستقرار وأسباب ازدهار وأمل في غد أفضل لنا ولأولادنا».
وتتأكد روح الثورة التي تتخلق بخاتمة البيان الصادر الأربعاء 18 أغسطس 2021م: «وإنه هدف يستحق التضحية، وبمقدورنا تحقيقه مهما كانت الصعوبات وواجهتنا التحديات، فنحن الشعب، صاحب القرار وحق الاختيار لمن يحكمه، وعزله إذا فشل أو تقاعس أو قصر أو تساهل أو عجز عن إدارة شؤون الشعب وخدمته».

أترك تعليقاً

التعليقات