كشفٌ حميد
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
«خرجنا نطلب الله». تخيلوا، شباب يجتمعون فيتفقون ويخططون للسرقة، ويصفون فعلهم هذا بأنه «طلبة الله»! هذا وحده كفيل بتشخيص أس انحراف هؤلاء الشباب. اختلال بيئة النشأة وانحراف أطراف منظومتها أو بعضها، في تكوين قيم مختلة، تنتج سلوكيات منفلة، ترتكز على إباحة باطلة!
التنشئة الاجتماعية، لها منظومة تتألف من خمسة أطراف رئيسة: الأسرة، الحارة (المجتمع)، المدرسة، دار العبادة (المسجد، المعبد... إلخ)، والإعلام بمختلف وسائله ووسائطه. جميعها مسؤولة عن تشكيل الفرد. مشاعره، انطباعاته، معلوماته، قناعاته، طبائعه، قيمه، مفاهيمه، تطلعاته وطموحاته، وسلوكياته.
في حالتنا اليمنية، يظهر لأي متأمل في نماذج محيطه، أن أطراف منظومة التنشئة تتشارك بقدر يزيد من هذا الطرف وينقص من طرف آخر، في ما نشهده من اختلالات مجتمعية، تتجلى في ممارسات خاطئة، وسلوكيات شاذة، وانحرافات صادمة، ومخرجات غير سوية، تديم المشكلات وتعقدها.
من هذه الاختلالات المجتمعية، الجرائم على اختلاف أنواعها ودوافعها ومآلاتها. ما من مجتمع بشري، مثالي...
أو سوي وفاضل كلياً، حداً يخلو معه من الجريمة. الخير والشر موجودان منذ الخليقة، وصراعهما من سنن فطرة هذه الخليقة، ومقياس الإيمان بفاطر الخليقة ومعيار الحساب يوم البعث والعرض.
في هذا، أتابع كملايين من اليمنيين، بإعجاب وبهجة، التقارير المصورة التي يبثها من واقع حياتنا اليومية، الإعلام الأمني. أجدها لا تستعرض إنجازات أو تبرر جنايات، بقدر ما هي كشف للجرائم وخلفياتها، أسبابها ودوافعها، أساليبها وعواقبها. وهذا لعمري محور رئيس لمكافحة الجريمة: حصراً، ووعياً، وعقاباً، وردعاً.
فعلياً، تزدهر الجرائم خلف الأضواء، لأسباب ودوافع عدة، منها المجتمعية تنشئة وتربية ورفقة، والثقافية وعياً وقيماً وعقيدة، والمعيشية أحوالاً وظروفاً وصروفاً، والنفسية شعوراً وانفعالاً وأمراضاً، والاقتصادية أوضاعاً وسُبلاً واستغلالاً، والسياسية موقفاً وخطاباً، والإدارية نظاماً وأداءً، والأمنية، تفاعلاً وحضوراً.
لكن إبراز كل ما سلف على السطح، يعني محاصرة الخلل والمعالجة. إسالة المطهر في الجرح، وتنظيف الأخير من الصديد ومختلف صنوف البكتيريا المسببة للالتهاب. أسباب بقاء الجروح مفتوحة دون معالجة ورتق وبراء يتوج بالشفاء، والمناعة، والوقاية من نكء الجروح مجدداً، ومن الإصابة بها أيضاً.
الإعلام بالجرائم، لا يبرز فقط الجهد الأمني وإنجازاته اليومية، بل يجسد مدى اليقظة الأمنية والمواكبة الأمنية لتطور الجريمة وأساليبها، ما يفضي إلى محاصرة الجريمة والحد من وقوعها. ومن ناحية ثانية، يبصر المجتمع ببشاعة الجرائم لينفروا منها، وبأسباب وقوعها ليتجنبوها، وبأساليب المجرمين ليحاذروها.
ليس هذا فحسب. الإعلام بالجريمة، يسهم أيضاً في تشخيص اعتوارات المجتمع. مواطن الاختلال ومكامن الاعتلال. يساعد في تقييم الأحوال وتقويم الأهوال. يقدم العبرة ويسهم في شيوع العظة. يحفز المجتمع على تحصين نفسه من الداخل، يردع أفراده ليس عن الإتيان بها، بل عن استساغتها أو تقبلها.
وهذا ما يدعوني إلى توجيه التحية، وإظهار التقدير، لمختلف أجهزة الأمن، ودورها في مواجهة الجريمة ضبطاً وعقاباً وتقويماً، ولمركز «الإعلام الأمني» ودوره في مكافحة الجريمة كشفاً ومنعاً وردعاً. وفق الله الجميع وسدد خطاهم لما فيه نفع وصلاح العباد والبلاد، وقبل هذا وذاك، مرضاة رب العباد ورسوله.

أترك تعليقاً

التعليقات