اصطخاب!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

عجبت لكل هذا الصخب المصاحب لأنباء عن سحب الإمارات قواتها من اليمن! أنباء نُسبت لمسؤولين من دون تسميتهم ومصادر من دون جلاء صفاتها، وعبر وسائل الإعلام نفسها: وكالة "رويترز"، وصحف: "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"جارديان"... إلى آخر قائمة أبواق الدفع المسبق الكبار"! 
الإمارات لم تعلن رسمياً "سحب قواتها أو خفض تعدادها أو عتادها" من جنوب اليمن. وحتى الآن لم تفعل إلا مرة واحدة، بعد فاجعتها بقصف معسكراتها في "صحن الجن" بصافر مأرب و"شعب الجن" في ذوباب تعز، وحصادهما العشرات من جنودها وضباطها، وبينهم قادة وأمراء.
كبحت هاتان المهلكتان جموح السعودية والإمارات إلى نشر قواتهما وضباطهما في اليمن، وسلبتهما نشوة التباهي برفع أعلامهما على متن مدرعاتهما وفي أعتاب سد مأرب التاريخي وباب المندب، فعمدتا في المقابل إلى كظ مناطق سيطرتهما بقوات عسكرية وأمنية من المقاتلين المأجورين اليمنيين والأجانب من جنسيات متعددة.
حديث اليوم عن "انسحاب" قوات الإمارات، وغدا قوات السعودية، كان يمكن أن يكون إيجابياً لولا أنه غير حقيقي فعلياً، ومجرد مناورة دبلوماسية، لا شواهد عملية لها ميدانيا، فضلا عن كونه ملهاة للتغطية على التهاب معارك تقاسم النفوذ بين قطبي تحالف الحرب في جنوب اليمن وأجزاء من شمال شماله.
الإيجابي في صخب "الانسحاب" هذا هو ربما إقراره بوجود قوات سعودية وإماراتية على الأراضي اليمنية، وليس كما يزعم التحالف أنه يدعم لوجستيا ما يسميه تارة "قوات الجيش اليمني" وتارة "قوات الشرعية" وتارة ثالثة "القوات الحكومية"، ما ينقض تصويره الحرب بأنها "حرب يمنية يمنية".
عدا ذلك، فإن حديث "خفض وسحب القوات الإمارتية والسعودية" يشبه ديالوج (حوار) في نص مسرحي، يواري فصلا جديدا من تمدد نفوذ قطبي التحالف في المناطق التي تسيطر عليها قواته عبر تدشين معارك حسم السيطرة بين قوات فصائله الموالية له ورواتبه ورتبه ووظائفه وسلاحه.
ثمة ضغوط دولية حقوقية ممولة أيضا على قطبي التحالف تهددهما بالملاحقة القانونية في جرائم حرب وانتهاكات سافرة لقواعد الاشتباك والقانونين الدوليين الإنساني والجنائي، تبدأ بقتل الطيران المدنيين ولا تنتهي بتدمير المرافق المدنية وتقييد تدفق مقومات العيش (الراتب والسلع)، والاعتقالات والتعذيب والاغتيالات.
عدا ذلك، لا دوافع قاهرة لسحب القوات السعودية والإماراتية، فقواتهما المنتشرة الآن بمئات الآلاف في نحو  جبهة قتال، بما فيها جبهات ما وراء الحدود مع السعودية، هي قوات يمنية، والخسائر البشرية فيها لا تعنيهما، وتجسد المثل اليمني: "الحجر من القاع والدم من رأس القبيلي"، مع تعديل: "السلاح والمال من التحالف والدم من رأس اليمني!
هناك اليوم ما يسمى "قوات هادي" أو "الجيش الوطني"، وولاؤها للسعودية، جهة تمويلها وتسليحها ودفع رواتب منتسبيها، وتتألف من عشرات الألوية بين "حماية رئاسية" و"تدخل سريع" و"فتح" و"حزم" وغيرها. وهناك ما يسمى "قوات المجلس الانتقالي الجنوبي"، وولاؤها للإمارات، وتتألف من ألوية "العمالقة" و"حراس الجمهورية" و"النخب" و"الحزام الأمني" في المحافظات الجنوبية. 
تم إذن إخصاب اليمن بعشرات المليشيات المسلحة، المتنافرة فكرا وولاء، والمترافقة -على اختلاف مسمياتها وولاءاتها وتعدد ألويتها- فقط في الارتهان للخارج، وجميعها تم كظها بأسلحة وذخيرة تكفي لاشتعال الحروب بينها  عاماً أخرى. فما جدوى هذا الصخب عن أنباء "سحب قوات" من يدير كل هذه المليشيات؟! هو خبل الاصطخاب عينه.

أترك تعليقاً

التعليقات