نكبتهم!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
من نكد العيش، أن تحاول النكبة تدثر ثوب “النعمة” لمواراة عورتها، ونعت غيرها بها. هذا ما سعى إليه بكل خفة وفهلوة، الموالون لتحالف العدوان على اليمن. يعلمون يقينا أنهم وسلطتهم كانت نكبة، قادت البلاد والعباد إلى أهوال عدة، انعكاسا لانهيار عام أنتجه ارتهانهم التام للخارج على حساب امتهانهم الدامي للداخل، وسوقهم عن عمد، البلاد والعباد إلى الهاوية.
هذا ما تقر به وقائع الحال طوال سنوات كارثية المآل، وبصورة أكبر منذ ما بعد 2011م. ساد الاعتلال والاستغفال للعامة حد الاستهبال، وتسيد الاختلال العام ومعه الاستغلال واقع الحال حدا يفوق مقدرة الاحتمال، واستشرت الفوضى حد النكال، وعمت الأهوال على نحو صادم للعقل وهادم للنفوس وعادم للأمل في غد أفضل يلزم البشر للعيش وانتظار هذا الغد.
إداريا جرف طوفان الإقصاء التعسفي عشرات الآلاف من كوادر مؤسسات الدولة المدنيين والعسكريين وفقا لمعايير فرز سياسي للمجتمع (معنا وضدنا) والإحلال لعشرات الآلاف دون كفاءة أو حاجة أو معايير قانونية حد تعيين 15 وكيلا و15 مستشارا لكل وزارة ومحافظة والتوظيف بدرجة مدراء إدارات ومدراء عموم ووزراء دون سابق خدمة او خبرة،.. إلخ ما جسد سباق انتهاب للدولة!
ماليا، شهدت مختلف مرافق الدولة عبثا غير مسبوق وسفها غير محدود في هدر ونهب المال العام وأموال المنح والهبات والمساعدات بإقرار المانحين أنفسهم، وتصدر اليمن قائمة الأكثر فسادا والأقل شفافية وأمنا وعدالة بالتصنيف العالمي، وإعلان حكومة باسندوة العجز عن دفع رواتب الموظفين وإصدارها قرار رفع أسعار المشتقات النفطية 200% رغم توقف إنفاق مشاريع التنمية!
خدميا، تراجع أداء مؤسسات الدولة عموما حد الشلل والانهيار، وتتابع تنصل سلطات الدولة من مسؤولياتها حد الاستهتار، وتسارع انحسار وغياب وظائف الدولة وواجباتها حد التلاشي، بارتفاع وتيرة انقطاع خدمات الكهرباء والمياه، وتقطع تموين الغاز والبنزين والديزل، وتدافع طفح مياه المجارير وتعفن أكوام النفايات، في مختلف شوارع العاصمة ومدن الجمهورية.. إلخ!
أما النكبة الأكبر فكانت الانفلات الأمني والانهيار العسكري، بإيكال مهمة تفكيك قوات الأمن والجيش “إعادة الهيكلة” للجنة عسكرية أمريكية وبريطانية وخليجية (دول العدوان لاحقا)، وتصفية قادتها إقصاء واغتيالا، وإباحة مقارها ومعسكراتها اقتحاما ونسفا، وتدمير عتادها وأسلحتها الدفاعية إتلافا وتفجيرا ونهبا، لتغدو التفجيرات والاغتيالات يومية، والبزة العسكرية بمثابة زي إعدام!
سياسيا، ظلت أطراف السلطة منهمكة بمحاصصة المناصب ومقاسمة المكاسب، تعميم المصائب وتعويم النوائب، تجاهل الملمات وتواكل المسؤوليات، تبادل الاتهامات وتداول التبريرات، بافتعال الأزمات وإشعال الثارات، تهييج النعرات وتأجيج الانقسامات، تعقيد المشكلات وتجميد المعالجات، بسباق السفريات وعقد اللقاءات مع سفراء الوصاية وتنفيذ “التعليمات”!
كانت حال البلاد كما لو أنه زلزال، لكنه زلزال مصطنع، مُمعن الافتعال. تجسد كل مظاهره ومجرياته مهمة “تدمير ذاتي” للدولة والمجتمع، تفكيكا لمؤسسات الدولة، وإذكاء للصراعات وإحياء للنعرات المناطقية والمذهبية لتفتيت النسيج الوطني للمجتمع، وتعميما للصدمة بين أوساط المواطنين، وتبعاتها من الذهول والوجوم، والتبلد والتيه، والخوف والوجل، والجزع والهلع، تمهيدا لتقبل أي حل مهما كان كارثيا.
حدث هذا بحرف مسار مؤتمر الحوار من معالجة آثار الصراعات وجبر الضرر وإقرار تعديلات دستورية لمنع تكرارها، إلى نسف كيان الدولة اسما ولغة وهوية، شكلا ونظاما وشعبا، وتقسيمها إلى “أقاليم اتحادية” دويلات ذات دساتير وبرلمانات ومجالس شيوخ وحكومات ومجالس حكم وقوات أمن محلية،.. إلخ، و”حق تقرير المصير واختيار نظامها السياسي” اتحادا وانفصالا، استقلالا واندماجا بدول أخرى!
تم إعداد هذا الفخ بإشراف سفراء دول الوصاية العشر (دول تحالف العدوان لاحقا)، وتسميته “خارطة طريق اليمن الجديد”، وتقديمه “فرصة أخيرة” سبيلا وحيدا لخلاص اليمنيين من “الكدر والفقر” والكَبَد المُفتعل، رغم أنه سبيل خادع يفخخ اليمن بألغام صراعات لمائة عام أخرى، ويضمن يمنا ضعيفا مفككا متناحرا وتابعا خاضعا لقوى الهيمنة والوصاية وخادما لأجندة أطماعها.
كان هذا هو جل مفخخات الحوار المسماة “مخرجات” بما يؤصل الحال المختل ويعمق الوضع المعتل ويديم المعضل، ويقر بدلا عن المواطنة المتساوية بالحقوق والواجبات أمام القانون والفرص المتكافئة، محاصصة سياسية (مكونات الحوار) وجغرافية (شمال وجنوب) وجنسية (رجال ونساء) وعمرية (حصة للشباب) وطائفية (حصة للمهمشين).. إلخ معايير تمييز!
الأنكى، تمرير هذه النكبة بفهلوة لاعبي الخفة، واعتماده بقرار أفراد غير منتخبين وقرار مجلس الأمن الدولي تحت “الفصل السابع”، بعيدا عن إرادة الشعب اليمني! وحين عبر الأخير عن موقفه وثار ضد الفساد والعمالة والخيانة، وضد التبعية والهيمنة والوصاية والمؤامرة، كانت الخطة (ب) شن حرب عسكرية واقتصادية وإعلامية، عدوان غاشم وحصار ظالم على اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات